الخميس، 3 فبراير 2011

حجية الانتساب إلى مذهب السلف

إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله

سئل الألباني : لماذا التسمي بالسلفية؟ أهي دعوة حزبية أم طائفية أو مذهبية؟ أم هي فرقة جديدة في الاسلام؟

الجواب:
إن كلمة السلف معروفة في لغة العرب وفي لغة الشرع؛ وما يهمنا هنا هو بحثها من الناحية الشرعية:
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في مرض موته للسيدة فاطمة رضي الله عنها:" فاتقي الله و اصبري ونعمالسلف أنا لك ".
ويكثر استعمال العلماء لكلمة السلف، وهذا أكثر من أن يعد ويحصى، وحسبنا مثالا واحدا وهو ما يحتجون به في محاربة البدع:
وكل خير في إتباع من سلف ** وكل شر في ابتداع من خلف
ولكن هناك من مدعي العلم من ينكر هذه النسبة زاعما أن لا أصل لها! فيقول: " لا يجوز أن يقول المسلم : أنا متبع للسلف الصالح فيما كانوا عليه من عقيدة وعبادة وسلوك ."ّ
لا شك أن مثل هذا الإنكار -لو كان يعنيه- يلزم منه التبرؤ من الاسلام الصحيح الذي كان عليه سلفنا الصالح، وعلى رأسهم النبي صلى الله عليه وسلم كما يشير الحديث المتواتر الذي في (الصحيحين) وغيرهما عنه صلى الله عليه وسلم :" خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".
فلا يجوز لمسلم أن يتبرأ من الانتساب الى السلف الصالح، بينما لو تبرأ من أية نسبة أخرى لم يمكن لأحد من أهل العلم أن ينسبه الى كفر ،أو فسوق.
والذي ينكر هذه التسمية نفسه، ترى ألا ينتسب الى مذهب من المذاهب ؟! سواء أكان هذا المذهب متعلقا بالعقيدة أو بالفقه ؟
فهو إما أن يكون أشعريا أو ما تريديا، وإما أن يكون من اهل الحديث أو حنفيا، أو شافعيا أو مالكيا أو حنبليا؛ مما يدخل في مسمى اهل السنة والجماعة، مع إن الذي ينتسب الى المذهب الأشعري أو المذاهب الأربعة، فهو ينتسب الى أشخاص غير معصومين بلا شك، وإن كان منهم العلماء الذين يصيبون، فليت شعري هلا أنكر مثل هذه الانتسابات الى الأفراد غير المعصومين ؟
وأما الذي ينتسب الى السلف الصالح، فإنه ينتسب الى العصمة-على وجه العموم-؟، وقد ذكر النبي من علامات الفرقة الناجية أنها تتمسك بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه أصحابه.
فمن تمسك بهم كان يقينا على هدى من ربه.
وهي نسبة تشرف المنتسب إليها وتيسر له سبيل الفرقة الناجية، وليس ذلك لمن ينتسب أية نسبة أخرى، لأنها لا تعدو واحدا من أمرين: إما انتسابا الى شخص غير معصوم، أو الى الذين يتبعون منهج هذا الشخص غير المعصوم، فلا عصمة كذلك وعلى العكس منه عصمة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي أمرنا أن نتمسك بسنته وسنة أصحابه من بعده.
ونحن نصر ونلح أن يكون فهمنا لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفق منهج صحبه، لكي نكون في عصمة من أن نميل يمينا أو يسارا، ومن أن ننحرف بفهم خاص لنا ليس هناك ما يدل عليه من كتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
ثم؛ لماذا لا نكتفي بالانتساب الى الكتاب والسنة؟
السبب يعود الى أمرين اثنين:
أحدهما:متعلق بالنصوص الشرعية.
والآخر: بواقع الطوائف الإسلامية.
بالنسبة للسبب الأول: فنحن نجد في النصوص الشرعية أمرا بطاعة شئ آخر إضافة الى الكتاب والسنة، كما في قوله تعالى:{وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} فلو كان هناك ولي أمر مبايع من المسلمين لوجبت طاعته كما تجب طاعة الكتاب والسنة، مع العلم انه قد يخطئ هو ومن حوله، فوجبت طاعته دفعا لمفسدة اختلاف الآراء،وذلك بالشرط المعروف :"لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".
وقال الله تعالى :** ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}.
إن الله عز وجل يتعالى و يترفع عن العبث، ولا شك ولا ريب أن ذكره سبيل المؤمنين إنما هو لحكمة وفائدة بالغة، فهو يدل على أن هناك واجبا مهما وهو أن إتباعنا لكتاب الله ولسنة رسول صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون وفق ما كان عليه المسلمون الأولون ، وهم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم؛ وهذا ما تنادي به الدعوة السلفية، وما ركزت عليه في أس دعوتها، و منهج تربيتها.
إن الدعوة السلفية- بحق - تجمع الأمة ،وأي دعوة أخرى تفرق الأمة؛ يقول الله عز وجل:{وكونوا مع الصادقين}، ومن يفرق بين الكتاب والسنة من جهة وبين السلف الصالح من جهة أخرى لا يكون صادقا أبدا.
أما بالنسبة للسبب الثاني: فالطوائف والأحزاب الآن لا تلتفت مطلقا الى إتباع سبيل المؤمنين الذي جاء ذكره في الآية، وأيدته بعض الأحاديث منه حديث الفرق الثلاث والسبعين، وكلها في النار إلا واحدة، وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها:"هي التي على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي".
وهذا الحديث يشبه تلك الآية التي تذكر سبيل المؤمنين، ومنها حديث العرباض ابن سارية وفيه:" فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ".
إذن هناك سنتان: سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين.
ولا بد لنا - نحن المتأخرين- أن نرجع الى الكتاب والسنة وسبيل المؤمنين، ولا يجوز أن نقول: إننا نفهم الكتاب والسنة استقلالا دون الالتفات الى ما كان عليه سلفنا الصالح!!
ولا بد من نسبة مميزة دقيقة في هذا الزمان، فلا يكفي أن نقول: أنا مسلم فقط ! أو مذهبي الاسلام ! فكل الفرق تقول ذلك: الرافضي والاباضي والقادياني وغيرهم من الفرق !! فما الذي يميزك عنهم ؟
ولو قلت: أنا مسلم على الكتاب والسنة لما كفى أيضا، لأن أصحاب الفرق-من أشاعرة ومانريدية وحزبيين- يدعون إتباع هذين الأصلين كذلك.
ولا شك أن التسمية الواضحة الجلية المميزة البينة هي أن نقول : أنا مسلم على الكتاب والسنة وعلى منهج سلفنا الصالح وهي أن نقول باختصار :"أنا سلفي".
وعليه؛ فإن الصواب الذي لا محيد عنه أنه لا يكفي الاعتماد على القرآن والسنة دون منهج السلف المبين لهما في الفهم والتصور، والعلم والعمل، والدعوة والجهاد.
ونحن نعلم أنهم -رضي الله عنهم- لم يتعصبوا لمذهب معين أو شخص بعينه، فليس من كان بكريا أو عمريا أوعثمانيا أو علويا، بل كان أحدهم إذا تيسر له أن يسأل أبا بكر أو عمر أو أبا هريرة سأله؛ ذلك بأنهم آمنوا أنه لا يجوز الإخلاص في الإتباع إلا لشخص واحد، ألا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
ولو سلمنا للناقدين جدلا أننا سنتسمى بالمسلمين فقط دون الانتساب للسلفية-مع أنها نسبة شريفة صحيحة-، فهل هم يتخلون عن التسمي بأسماء أحزابهم، أو مذاهبهم، أو طوائفهم-على كونها غير شرعية ولا صحيحة ؟!!
فحسبكم هذا التفاوت بيننا
وكل إناء بما فيه ينضح
ومن الأدلة أيضا ما أخرجه الشيخان عن فاطمة رضي الله عنها أن النبي قال لها إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة وإنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي فاتقي الله واصبري فإنه نعم السلف أنا لك
ومنها أيضا ما قاله الإمام القرطبي في تفسيره في سورة الأعراف وقد كان السلف الأول رضي الله عنهم لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله قال ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه تعالى استوى على العرش حقيقة انتهى
*- ومنها ما جاء عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن القاسم الشيباني عن زيد بن أرقم أنه رأى قوما يصلون بعد ما طلعت الشمس فقال لو أدرك هؤلاء السلف الأول علموا أن غير هذه الصلاة خير منها صلاة الأوابين إذارمضت الفصال
*- ومنها ماقاله ابن القيم في ارواء الغليل " وليت شعري كيف يمكن أن يكون مثل هذا الحديث صالحا ثابتا ولا أحد من السلفالأول يعمل به ؟ ! أي عن تلقين الميت في قبره
*- ومنها ما ذكره الشاطبي في كتابه الاعتصام " وعن أنس قال : لو أن رجلا أدرك السلف الأول ثم بعث اليوم ما عرف من الإسلام شيئا قال : ووضع يده على خده ثم قال : إلا هذه الصلاة ثم قال : أما والله على ذلك لمن عاش في النكر ولم يدرك ذلكالسلف الصالح فرأى مبتدعا يدعو إلى بدعته ورأى صاحب دنيا يدعو إلى دنياه فعصمه الله من ذلك وجعل قلبه يحن إلى ذلكالسلف الصالح يسأل عن سبلهم ويقتص آثارهم ويتبع سبيلهم ليعوض أجرا عظيما
*- ومنها ما حكاه ابن بطال في شرح البخاري عن أبي حنيفة أنه قال : لقيت عطاء بن أبي رباح بمكة فسألته عن شيء فقال : من أين أنت ؟ قلت : من أهل الكوفة قال : أنت من أهل القرية الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ؟ قلت : نعم قال : من أي الأصناف أنت قلت : ممن لا يسب السلف ويؤمن بالقدر ولا يكفر أحدا بذنب فقال عطاء : عرفت فالزم
*- وكتب العقيدة والحديث والتفاسير والفقه والسير قد شحنت بأقوال أهل العلم بكلام شهر عنهم " أجمع السلف – كان السلف– قال السلف – هذا ما كان عليه السلف – جرى على هذا سلفنا الصالح ---- وهكذا
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين 

وكتبه فضيلة الشيخ / ابو محمود أحمد رزوق حفظه الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق